تخيل معنا وجود منبه في دماغ الشخص، يحذره عند وجود خطر ما، حسناً، في حالة الوسواس القهري ينطلق هذا المنبه بشكل خاطئ، فيقوم بإنذاره بدون وجود سبب واضح أو حقيقي.
الوسواس القهري هو حالة مؤلمة، تجعلك تعاني من أفكار وصور ذهنية متكررة ومزعجة، أو تجد نفسك مجبراً على القيام بسلوكيات معينة مراراً لتخفيف القلق والضغط، وغالباً ما تكون مرهقة وتستهلك طاقتك ووقتك، ولكن لا تقلق فهي حالة تصيب الملايين حول العالم، وهناك العديد من الطرق التي أثبتت فعاليتها ونجاحها في علاجه.
لنبدأ معاً خطوة بخطوة في التعرف على أبرز الطرق العلاجية الفعالة، والتي ستمكنك من استعادة السطرة على حياتك.
أكثر الأساليب فعاليةً في علاج الوسواس القهري
التعرض ومنع الاستجابة (ERP)
يعد التعرض ومنع الاستجابة من أقوى الأساليب العلاجية، و هو الخيار الأول في علاج الوسواس القهري، يساعدك هذا الأسلوب العلاجي على مواجهة مخاوفك بدلاً من الهروب منها، ولكن يجب أن يتم تحت إشراف المعالج النفسي وبشكل تدريجي وضمن بيئة آمنة.
يعتمد التعرض ومنع الاستجابة على مفهومين أساسيين:
- التعرض: أي مواجهة الفكرة أو الموقف الذي يثير القلق لديك بدلاً من الهروب، بدءاً بأبسط المواقف وصولاً إلى الأشد.
- منع الاستجابة: أي أن تمنع نفسك من القيام بالسلوك القهري الذي اعتدت عليه لتخفف ذلك القلق، لتثبت لدماغك أن الخطر غير حقيقي ومبالغ فيه.
ستضع بالاشتراك مع المعالج قائمة بجميع المخاوف، وترتبها من الأقل إثارةً للقلق إلى الأشد خوفاً، ثم تبدأ بمواجهة هذه المخاوف تدرجياً وتحت إشرافه، ولاحقاً ستتمرن على مواجهتها في المنزل وفق خطوات آمنة.
يمكن أن يحتاج العلاج من 12 إلى 20 جلسة أسبوعية، ومع مرور الوقت والالتزام به، ستلاحظ أن الأفكار الوسواسية بدأت تفقد قوتها وسيطرتها عليك، وأنك أصبحت قادراً على التحكم بسلوكك بشكل أفضل.
العلاج السلوكي المعرفي (CBT)
يعد العلاج السلوكي المعرفي من الأساليب الأساسية والفعالة في علاج الوسواس القهري، فهو يساعدك على فهم الحلقة الوسواسية المكونة من الأفكار المزعجة، ومشاعر القلق والتوتر، ثم السلوك القهري الذي تقوم به لتخفيف القلق.
عندما تأتي الأفكارالمزعجة إلى ذهنك ستشعر عندها بالقلق والتوتر، ولا تزول هذه المشاعر عادةً إلا إذا قمت بالسلوك القهري، يمكن أن تشعر بهدوء مؤقت في البداية، مما يعزز في عقلك اعتقاداً خاطئاً بأن هذا السلوك كان ضرورياً، وسينتج عن ذلك أنك ستجد نفسك تدور في حلقة من الأفكار والسلوكيات القهرية باستمرار.
العلاج السلوكي المعرفي يساعدك على كسر هذه الحلقة من خلال عدة خطوات:
- التعرف على الأفكار الوسواسية المزعجة وتمييزها عن الأفكار العادية.
- تقييم مدى واقعيتها وصحتها بشكل موضوعي.
- العمل على اكتشاف الأخطاء المعرفية في هذه الأفكار وتعديل تفسيرك الخاطئ لها.
- العمل على استبدالها تدرجياً بأفكار أكثر توازناً وواقعية.
ستلاحظ مع الوقت أنك أصبحت قادر على مواجهة هذه الأفكار وتحمل الضغط دون القيام بأي سلوك قهري، وسيتراجع تأثير الوسواس عليك تدريجياً.
الأدوية المضادة للوسواس
يمكن أن يصل الوسواس القهري إلى درجة لا يكون فيها العلاج النفسي كافياً بمفرده، حيث يؤثر الوسواس على حياتك ويتستنزف طاقتك ووقتك، قد يكون من المهم في هذه الحالة وضع خطة علاجية شاملة تتضمن العلاج الدوائي إلى جانب العلاج النفسي.
تعمل الأدوية على تعديل التوازن الكيميائي للنواقل العصبية في دماغك وخاصة السيروتونين، حيث تساعد على زيادة كمياته في المشابك العصبية مما يساعدك على التحكم بانفعالاتك وتقليل الأفكار المتكررة لديك.
أكثر الأدوية المستخدمة مع الوسواس القهري:
- سيرترالين (Sertraline)
- باروكستين (Paroxetine)
- فلوفوكسامين (Fluvoxamine)
- إسيتالوبرام (Escitalopram)
- وفي بعض الحالات المقاومة للعلاج يُضاف كلوميبرامين (Clomipramine).
سيبدأ شعورك بالتحسن بدءاً من الأسبوع الثاني، ولكن التحسن الكبير والثابت يحتاج وقتاً أطول، ومن الضروري تناولك للأدوية تحت إشراف طبيبك والالتزام بتعليماته ، ولا تقم بإيقاف الدواء فجأةً من تلقاء نفسك، لأن ذلك يسبب عودة الأعراض بشكل أقوى.
وأخيراً لا تخف من تناول الأدوية، فهي لن تؤثر على مشاعرك أو ملامح شخصيتك، بل ستمنحك قدرة أكبر على مواجهة الوسواس واستعادة توازن حياتك.
تنظيم نمط الحياة والحصول على الدعم
نحن لا نتحدث هنا عن تنظيم نمط الحياة أو الحصول على الدعم من المحيط كأسلوب مباشر لعلاج الوسواس القهري، وإنما كأدوات مساندة تساعد عقلك ليكون أكثر ثباتاً وقدرة على مواجهة الأفكار القهرية بهدوء أكبر.
هي تغييرات بسيطة يمكنك القيام بها بسهولة، مثل تنظيم ساعات النوم والاستيقاظ ونيل قسط جيد من الراحة، وممارسة التمارين الرياضية بانتظام، واتباع نظام غذائي صحي ومتوازن، بالإضافة لتقليل الكافيين والمنبهات، ومحاولة الابتعاد عن العزلة قدر الإمكان.
كما أن حصولك على الدعم العاطفي له دور كبير في رحلتك العلاجية، سواء من أفراد العائلة، أو أحد الأصدقاء المقربين، أو حتى المعالج النفسي، من المهم شعورك بالأمان وأن هناك من يساندك ويقف إلى جانبك ودعمك بدون نقد أو حكم.
خلاصة المقالة
طلبك للمساعدة لا يدل على الضعف بتاتاً، بل هي أشجع خطوة يمكن أن تخطوها في سبيل استعادة توازنك النفسي وسيطرتك على حياتك.
لقد تعرفنا معاً على الطرق العلاجية الفعالة، كل ما عليك فعله هو الالتزام والتحلي بالصبر والثقة لتتمكن من التعافي، هي خطوات بسيطة عند التزامك بها ستتمكن من التغلب على الوسواس تدريجياً وتستعيد استقرارك وسلامك الداخلي.
