يلقى واقع الصحة النفسية في قطر اهتماماً متزايداً خلال السنوات الأخيرة، يأتي هذا الاهتمام مدفوعاً بالتطورات الاجتماعية والاقتصادية المتسارعة التي تشهدها الدولة، ساهمت هذه التغيرات في ظهور العديد من التحديات التي تؤثر على الصحة النفسية للسكان، من ضغوط اقتصادية وتغيرات اجتماعية والوصمة الاجتماعية المرتبطة بالاضطرابات النفسية.
سنتحدث في هذا المقال عن واقع الصحة النفسية في قطر، كما سنسلط الضوء على التحديات التي تواجهها، والجهود التي تبذلها الدولة لتحسين هذا الواقع وتعزيز الوعي في المجتمع.
واقع الصحة النفسية في قطر
الوعي بالصحة النفسية
يتزايد الوعي بالصحة النفسية بشكل إيجابي ضمن المجتمع القطري، حي يمكننا ملاحظة ارتفاع نسبة الإقبال على العلاج النفسي، سواء في المستشفيات الحكومية أو مراكز العلاج الخاصة، ومع ذلك هناك العديد من الأشخاص الذين يشعرون بالوصمة والخجل من الاضطرابات النفسية، ويواجهون صعوبة في طلب المساعدة أو في التعبير عما يجول في داخلهم، والعديد منهم يعتبر الإصابة باضطراب نفسي دليل على ضعف لديهم أو حتى نقص في الإيمان.
تبذل الدولة والمؤسسات غير الحكومية جهوداً حثيثة في زيادة التوعية بأهمية الصحة النفسية، وتشجيع الأفراد على طلب المساعدة المختصة عند الحاجة، واعتبار طلب الدعم النفسي دليل قوة وشجاعة وليس ضعف.
الاحصائيات
بلغت نسبة الإصابة باضطرابات نفسية بين السكان المحليين والوافدين في قطر حوالي 36 % وفقاً لدراسات محلية.
من أكثر الاضطرابات شيوعاً الاكتئاب والقلق، حيث يعاني من الاكتئاب حوالي 13% من السكان، أما اضطرابات القلق فحوالي 20 % من السكان.
تتراوح نسبة الإقبال على العلاج النفسي في قطر حوالي الـ 67%، وقد لوحظ تأخر واضح في طلب العلاج والدعم النفسي، بسبب الوصمة الاجتماعية أو نقص الوعي، وهو ما يؤدي إلى تفاقم الأعراض وزيادة الاضطراب.
وقد تبين أن النساء أكثر عرضة للإصابة باضطرابات نفسية في قطر مقارنة بالرجال، كما أن لهن ميل أكثر من الرجال لطلب المساعدة والدعم النفسي.
خدمات الصحة النفسية
تعمل دولة قطر على توفير المساعدة والدعم النفسي لجميع السكان، وذلك من خلال مؤسسات كمؤسسة الرعاية الصحية الأولية، ومراكز نفسية متخصصة كمركز السنابل، بالإضافة للمنصات الالكترونية التي تقدم العلاج النفسي اونلاين كمنصة دكتورك.
وقد خصصت الدولة خط وطني للصحة النفسية، يستقبل آلاف المكالمات على مدار الساعة، لمساعدة الأفراد الذين يواجهون ضغوطاً اجتماعية ودراسية واقتصادية.
كما تقوم وزارة الصحة بالعديد من المبادرات وحملات التوعية، في المدارس والجامعات وعلى وسائل الإعلام، لزيادة التوعية بأهمية الصحة النفسية وضرورة طلب المساعدة في الوقت المناسب.
إضافةً إلى ذلك يوجد في المدارس والجامعات في دولة قطر برامج دعم موجهة للشباب، تكون على شكل جلسات إرشاد جماعي وفردي، أو من خلال تطبيقات الكترونية تقدم النصائح اليومية.
التحديات التي تواجه الصحة النفسية في قطر
رغم التقدّم الملحوظ في الاهتمام بالصحة النفسية في قطر، لا تزال هناك مجموعة من العقبات التي تعيق تقديم خدمات نفسية فعالة ومتاحة للجميع، ومن أبرزها:
1- نقص الوعي المجتمعي وضعف ثقافة طلب المساعدة
لا يزال كثيرون يرون أن التوجه للطبيب النفسي ترف أو ضعف، ما يساهم في عزوف الأفراد عن طلب الدعم، ويُبقي المعاناة النفسية في دائرة الصمت.
2- وجود وصمة اجتماعية قوية
الحديث عن الاكتئاب أو القلق أو الوسواس لا يزال محاطاً بالخجل والخوف من نظرة المجتمع، مما يضع حاجزاً نفسياً يمنع البعض من اتخاذ خطوة العلاج.
3- قلّة الكوادر النفسية المؤهلة
عدد الأطباء والمعالجين النفسيين لا يزال محدوداً، خاصة المتخصصين في مجالات دقيقة مثل علاج الصدمات أو اضطرابات الطفولة، ويعود ذلك إلى ندرة البرامج التدريبية المتخصصة.
4- فجوات في البنية التحتية والتنظيم الصحي
حتى مع توفر بعض المراكز المتقدمة، إلا أن التنسيق بين المؤسسات النفسية لا يزال بحاجة إلى تطوير، ما يؤدي إلى تكرار الجهود أو فقدان المتابعة المستمرة للحالات.
5- ضعف التمويل والاستثمار في القطاع النفسي
مقارنة بمجالات طبية أخرى، لا يزال الإنفاق الموجّه إلى الصحة النفسية أقل من الحاجة الفعلية، رغم أن تكلفة الإهمال النفسي تكون أعلى على المدى البعيد.
6- بطء تبني التكنولوجيا النفسية الحديثة
خدمات العلاج النفسي عن بُعد، وتطبيقات المراقبة والدعم النفسي، لا تزال في بداياتها في قطر، مع تحديات تتعلق بحماية خصوصية المرضى وسرية بياناتهم.
7- تأثير الثقافة والتمييز في الحصول على الخدمة
بعض الفئات ( كالمراهقين، النساء، أو ذوي الدخل المحدو) قد يواجهون صعوبات في الوصول إلى الدعم النفسي لأسباب اجتماعية أو اقتصادية، مما يخلق فجوة في العدالة العلاجية.
8- غياب برامج الدعم النفسي الشامل للعائلة والمريض
الدعم لا يتوقف عند الجلسة الفردية، بل يحتاج المريض لفريق علاجي يواكب حالته ويقدم الإرشاد لأسرته أيضاً، وهذا الجانب لا يزال غير مفعّل بالشكل المطلوب.
جهود قطر في تحسين الصحة النفسية
تبذل قطر خطوات حثيثة لتعزيز خدمات الصحة النفسية ضمن رؤية وطنية طموحة تستند إلى جودة الرعاية والتكامل الثقافي، وعبر مؤسساتها توسعت خدمات العلاج النفسي لتشمل تخصصات دقيقة وأساليب حديثة، تُقدّم بخصوصية واحترام لخصوصيات المجتمع المحلي.
ولكسر حاجز الصمت والخوف من نظرة الناس، تقود وزارة الصحة العامة حملات توعية مستمرة في المدارس والإعلام، تُشجع الأفراد على الحديث وطلب المساعدة دون خجل، كما أتاحت الدولة وسائل دعم مرنة وسهلة الوصول مثل الخط الوطني للدعم النفسي على مدار الساعة، ومنصات إلكترونية مثل دكتورك لحجز الجلسات أونلاين بسهولة.
أما على صعيد الكوادر، فهناك تركيز واضح على تأهيل الأخصائيين النفسيين لتلبية الطلب المتزايد، لا سيما في فئات الشباب والنساء، من خلال جلسات إرشادية مباشرة داخل المدارس والجامعات.
كل هذه الجهود تشير إلى تحوّل ملموس نحو مجتمع يرى في الصحة النفسية أولوية لا تقل أهمية عن الصحة الجسدية.
خلاصة المقال
رغم ما يحيط بالصحة النفسية في قطر من تحديات حقيقيةكوصمة العار، وقلة الكوادر المتخصصة، والضغوط الرقمية المتزايد، إلا أن المشهد يشهد تحولاً واضحاً نحو الأفضل، فمع تنامي الدعم الحكومي، وازدياد حملات التوعية، وتسهيل الوصول إلى خدمات العلاج، بات الحديث عن الصحة النفسية أكثر قبولاً من أي وقت مضى، واليوم لم يعد طلب المساعدة دليلاً على الضعف، بل خطوة شجاعة نحو التعافي والتمكين الذاتي.
اترك تعليقاً
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.